عقب اللقاء الذي جمعه مع رئيس وزراء الثورة التي دعمها في بدايتها ورفض مآلاتها الختامية يتمدد السؤال: هل ما زال عبد الواحد يتمسك بكونه (مستر نو)؟ (حمدوك ونور)
الخرطوم- آدم محمد أحمدلم يشأ عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان أن يعترف بأنه التقى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ممثلا لحكومة الفترة الانتقالية، فالرجل حرص عبر إعلامه على التأكيد بأن موافقته على مقابلة حمدوك في باريس جاءت بعد أن وافق الأخير على لقائه بصفته الشخصية وليس رئيسا لوزراء حكومة “قحت”، وكأن عبد الواحد الذي ظل معارضا لحكومة الانقاذ منذ العام 2003 لم يتخل عن مواقفه الرافضة لأي لقاء رسمي يجمعه بممثلين لحكومة الخرطوم، ربما آخر لقاء رسمي جمع نور والحكومة السودانية كان في العام 2006 إبان مفاوضات السلام في العاصمة النيجيرية أبوجا، والتي أفضت إلى اتفاقية أبوجا التي وقع عليها مني أركو مناوي لوحده دون الحركات الأخرى وبالطبع رفض نور التوقيع على الاتفاق، ومنذ تلك اللحظة لم يوافق نور على الجلوس مع الحكومة ناهيك عن مناقشة التفاصيل، وكان ذلك قد جلب إليه لقب “مستر نو” الذي أطلقه عليه “الخواجات” مندوبو الدول الراعية للسلام كناية عن رفض الرجل أي محاولة يمكن أن تعيده إلى حضن الوطن، اعتصم نور ببارس العاصمة الفرنسية ولم يركن حتى إلى الضغوط التي مارسها عليه “الإليزيه” للاستجابة إلى نداء الحوار.
(1)
صحيح أن الرجل لم يعد يملك جيشا على الأرض يمكنه من أن يفرض مواقفه بالقوة ويجبر الخصوم على التنازل، لكنه يملك مواقف ورؤية حول عملية السلام لم يتراجع عنها مطلقا، فبالنسبة لنور كان الجلوس مع حكومة البشير أمرا صعب المنال لكون المطالب التي ظل يطرحها الرجل كشروط واجبة التحقق قبل الشروع في أي عملية تفاوضية مثلت حجر عثرة أمام تحرك قطار التفاهمات، ففي السابق قللت حكومة الإنقاذ من تأثير نور لأن المعادلة مثلما أسلفنا قائمة على أن الأقوى هو من يملك جيشا يقاتل به، وإن كانت الحكومة نفسها مؤخرا استطاعت كسر شوكة الحركات الثورية في الإقليم وفرضت حالة من الأمن شعر بها المواطن إلا أن ملف السلام كقضية كان الحديث عنه حاضرا في المحافل، لكون الملف يمثل مدخلا لإدماج البلاد في محيطها العالمي والإقليمي، وإن كان نور يعبر بصوته فقط لكنه كان صوتا مسموعا.
(2)
وحتى عندما جاءت الثورة وأزاحت النظام السابق لم يتبدل نور وإن كان الرجل أعلن دعمه للثورة الشعبية منذ انطلاقتها ورحب بما توصلت إليه من نتائج تمثلت في الإطاحة بالنظام إلا أنه أمسك عن دعم نتائج الأخرى بشأن ترتيبات الانتقال، ورفض نور الاتفاق الذي تم توقيعه بين “قحت” والمجلس العسكري، ووصفه بأنه خيانة للثورة ودماء الشهداء وجريمة بحق الوطن ومساومة واختطاف للثورة لإعادة إنتاج الأنظمة الصفوية، وهاجم عبد الواحد قوى الحرية والتغيير قائلاً: “إنها وضعت نفسها في مرتبة واحدة مع نظام البشير بنسخته الثانية وأصبحت شريكاً له في كل الجرائم التي وقعت بحق السودانيين”، الأمر بالنسبة لعبد الواحد أن مكونات “قحت” جنحت إلى تقسيم الكيكة والبحث عن مكاسب تؤمن لها واقعا جديدا وأغفلت مطالب قوى الهامش العريضة، قال الرجل في ندوة عقدت مؤخرا بالخرطوم خاطبها عبر الهاتف إن “قحت” قسمت ووزعت وحددت خطتها ثم ذهبت وقالت لهم مشكلتم شنو، وأضاف الرجل ضاحكا: “مشكلتي ياها فهمكم دا”، وعلى غرار ذلك بدأ نور طريقه في معاداة حكومة الفترة الانتقالية، ورفض الدعوة التي تمت في جوبا من قبل رئيس دولة الجنوب وضمت وفدا من الحكومة السودانية الانتقالية ومكونات حركات قوى الكفاح المسلح والتي تمضخت عن تفاهمات سيتم تتويجها عقب اللقاء المرتقب في أكتوبر الجاري.
(3)
والسلام عند المجتمع الدولي يرتبط بأهمية تصبح مدخلا للتطبيع الكامل وجلوس السودان في مقعده العالمي الطبيعي، وبالتالي فإن وجود صوت نشاز واحد خارج إيقاع العزف الجماعي يشكل تهديدا كبيرا وعائقا أمام إكمال أهداف وغايات الثورة، ولقاء حمدوك ونور في باريس مؤخرا يأتي عبر هذه الزاوية، وهو ما أكده بيان صادر عن حركة نور التي قالت إن اللقاء “تبادل الرؤى حول أسباب الصراع في السودان وكيفية مخاطبة جذور الأزمة السودانية لا سيما قضايا التغيير والحرب والسلام واستكمال الثورة وبناء الدولة السودانية التي لم تؤسس بعد”، إلا أن المشكلة تظل ماثلة في كيفية إقناع نور بأن الأوضاع تغيرت وأن النظام الذي يبادله العداء ذهب وعليه الاستجابة لنداء السلام، وإن كانت المعطيات تشير إلى أن رئيس الورزاء عبد الله حمدوك يملك الرغبة في تحقيق ذلك وهو الرهان في أن الفترة الانتقالية ستنتهي وان البلاد تنعم بالسلام، وبحسب بيان الحركة فإن اللقاء “اتسم بالشفافية والصراحة، وكان بناء ومثمرا، وقد أبدى حمدوك رغبته الأكيدة بمخاطبة جذور الأزمة السودانية كمدخل لمعالجة جميع مشاكل السودان، وتحقيق السلام الشامل والعادل بمشاركة جميع الأطراف”، وأضاف البيان: “اتفق الطرفان على مواصلة اللقاءات غير الرسمية وتبادل الرؤى والأفكار حول الطرق الكفيلة بحل الأزمة الوطنية واستكمال أهداف الثورة وصولا إلى بناء دولة المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية”، وأضاف البيان: “اتفق الطرفان على مواصلة اللقاءات غير الرسمية وتبادل الرؤى والأفكار حول الطرق الكفيلة بحل الأزمة الوطنية واستكمال أهداف الثورة وصولا إلى بناء دولة”

إرسال تعليق